كلما تخففت من الدنيا أكثر، تجلّت لك هِبات القرآن أكثر وأكثر.
ما الذي يعنيه ذلك؟
إن التخفف من الدنيا يعني التخلص من كل ما من شأنه أن يقيد السير إلى الله.. يشغلك عن هدفك ويبطئ عليك الوصول، وإن كنت ستصل في النهاية، ولكن متأخرا.. مشتت الذهن..
دعني أضرب لك مثالا. هذه البرامج الاجتماعية الجديدة، بالله عليك ما نسبة ما تساعدك به للوصول إلى الله؟
إن غالب ما تفعله هو زيادة معرفتك بتفاصيل حياة الناس، وتفاصيل أخرى لا تسمن ولا تغني من جوع..
بالتأكيد فيها ما يفيد، ويجعل الحياة أفضل. ولكنها لا تجعل الحياة: الأفضل!
الحقيقة هي، أننا نقصر في أشياء كثيرة، كثيرة. ولكن، أعتقد أن التقصير الحقيقي هو ما يكون في جانب لا تشعر فيه أنك مقصر أصلا.. لأنك لو كنت تشعر بتقصيرك ستستمر في المحاولة. أما إن كنت لا تدرك ذلك ولا تلتفت لهذا التقصير، فستبقى في مكانك ولن تتحرّك، حتى تلتفت!
الحقيقة هي، أننا مقصرون في حق أشياء كثيرة، كثيرة. ولكن ما أقصده في هذه المناسبة، تقصيرنا في الخلوة.
في الخلوة مع الله. ألا تلاحظ أننا نركض، ونركض، ونستمر في الركض، خلف كل شيء، إلا ما خلقنا من أجله؟
هل أقول لك شيئا مرعبا؟
في اليوم الواحد 24 ساعة. مجموع الدقائق في اليوم 1440 دقيقة. لنفترض أن مدة الصلاة الواحدة - تقريبا، وتقريبا- 10 دقائق. يكون المجموع للصلوات الخمس في اليوم الواحد: 50 دقيقة.
مع كل هذا، مع أنها 50 دقيقة فقط من 1440 دقيقة، لا نستطيع التركيز في صلواتنا ولا حتى هذا الزمن القصير..
وقِس على ذلك..
أليست هذه علامة مرض؟
ألا يدل ذلك على أن قلوبنا تزخر بأشياء كثيرة كثيرة، لا تخدم خشوعنا وطاعتنا لله العظيم، يصعب معها أن نركز فقط في هذا الوقت القصير؟
الأشياء التي تقطع علينا الطريق إلى الله كثيرة، تترواح بين المحرمات والمكروهات والمباحات أيضا.
أما المحرمات والمكروهات فأظن مساهمتها في إشغال الإنسان عن الطاعة واضح، وأما المباحات فكثرتها تفسد القلب، وتصرفه عن الهدف الحقيقي الذي ينبغي أن يركّز جهده عليه..
أجد أنه يصعب علي ضرب الأمثلة لكثرتها.. لست أحرم ما أحل الله، حاشا لله، لكني أدعو إلى الوقوف مع النفس وقفة صادقة منصفة، لتترك ما لا ينفعك في قبرك وراء ظهرك، وتنظر إليه نظرة ما يزاحمك في عملك المهمّ ويفسد عليك وقتك لو أكثرت منه..
إن الأمر كما لو أنّ لديك عملًا مهما مؤقتا بموعد محدد، يجب عليك تسليمه تاما في هذا الوقت..
لنفترض أن أحدا ما قال لك: سأعطيك 10 ملايين ريال، بشرط أن تفعل كذا وكذا خلال أسبوع. هناك كثير من الأشياء الحلوة الممتعة التي لا تتعارض مع مبدئك ويمكنك الاستمتاع بها، وتريد الاستمتاع بها، لكنك لا تملك وقتا لذلك، سيشغلك ذلك عن عملك المهم وستخسر الكثير..
يمكنك أن تروّح عن نفسك مرة خلال الأسبوع كي تزيد نشاطك، ولكن لن تطيل في ذلك لأنك تعلم أنه سيؤدي بك إلى الخسارة..
الله سبحانه يقول: " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا"
هذه قاعدة متكاملة لا يتطرق إليها النقص، و واقعية تماما. الهدف: الآخرة. ولكن لا تنس نصيبك من الدنيا
قارن بين مقصد هذه الآية وتعليماتها الكريمة، وبين واقعنا الآن؟
ما الذي نبتغيه فيما آتانا الله؟ الدنيا أو الآخرة؟
الله المستعان.
مكثت فترة تعطل فيها هاتفي. صرت، ولم أعرف السبب تحديدا حينها، صرت أفهم القرآن أكثر من ذي قبل، ويصل إلي بصورة أسرع من ذي قبل!
وقد جربت ذلك مرات عديدة، كل رمضان أقطع تواصلي مع الانترنت تماما، لقد اكتشفت عالما جديدا، لم أكن أعرفه وأحسه من قبل، شيء يصل إلى كياني ويأخذ بِلُبّي وشعوري.. وفهمت، القرآن أشرف من أن يجتمع في قلب مثقل بحب الدنيا، وزينتها والركون إليها..
إن الصوارف تختلف من شخص إلى آخر، فما أراه صارفا لي قد لا يكون مؤثرا كثيرا في شخص آخر، لكني أدعوك أن تتوقف وتتأمل حالك وجدّك في المسير إلى الله..
تعلم, الله سبحانه يقول: " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض"
ألا تشعر بصورة بلاغية مذهلة تأخذ بتفكيرك وحسك وتصورك أمام هذه الآية؟ اثّاقلتم؟ بتشديد الثاء، وليست" تثاقلتم" هكذا ببساطة..
لا أعرف كيف أشرح ذلك، يصعب وصف شيء مذهل كهذا..
أحفظ سورة الحاقة منذ زمن طويل، لكني حين تخففت، شعرت بشيء غريب.. شعور لا أعرفه..
إن الله يبدأ السورة بوصف عظيم: "الحاقة"
حتى الحروف ثقيلة كبيرة، تشديد القاف يضفي فخامة وهولا..
"ما الحاقة"
الله يسأل عنها، تعظيما وتهويلا
مرة أخرى: " وما أدراك ما الحاقة"
اقرأها متصلة مجددا:
"الحاقة.. ما الحاقة.. وما أدراك ما الحاقة"
أليس أمرا مهولا عظيما؟ الله العظيم يصف شيئا ما بالعظمة! إنه ليس من قبيل مبالغات وتهويلات البشر، حاشا وكلا!
في القرآن صواعق وقوارع، والله لو نملك قلبا سليما شفافا، لن نكمل حياتنا بعدها كما هي..
يمكن القول، باختصار: كل ما يقطع عليك الطريق، تخلص منه.. تخفف منه..
أبقِ معك زادك.. ما تحتاج إليه للمسير.. مع شيء من الحلوى :)
هذا نفحٌ من شذى ابن القيم، رحمه الله رحمة واسعة
يضرب لك مثالين، بعد أن نقل قول السلف " عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين"، ثم قال ابن القيم: وكلما استوحشتَ في تفرّدك فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغضّ الطرف عمّن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا. وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم، فإنهم متى التفتّ إليهم أخذوك وعاقوك، وقد ضربت لذلك مثالين، فليكونا منك على بال:
أسأله سبحانه ألا يحرمنا خيرَ ما عندَه بسوء ما عندنا، إنه كريم لطيف مجيب.
تدوينة نبّهت من غفوة ومدّت حبال نور على زوايا مظلمة.. أسال الله أن لا يكون تأثيرها لحظيًا
ردحذفخولة ❤️
أسأل الله أن يبارك فيما تكتبين وينفعك وينفع بك ويجمعني بك في الفردوس الأعلى من الجنة ووالدينا بلا حساب ولا عقاب
كمية دفء أحسست بها في صفحتك ❤️
غيداء
مريت من هنا كان حديثك رقيقاً .
ردحذفكلامك وصل إلى شغاف قلبي ..
ردحذفببساطة أسلوبك إلا أن له أثر عميق
كنت احتاجه كثيراً , وقد بينتِ لي أموراً عدة
جُزيتِ خيراً ..
وجزى الله من دلتنا عليك خير الجزاء
+ تم حفظ مدونتك في المفضلة :")
شكرًا لك. أنا سعيدة بهذه الكلمات الطيبة.
حذفغفر الله لك، ولوالديك، وكل من له حق عليك، والمسلمين
أشكر الله الذي دلني لقراءة حرفك، اسأل الله ان جعلها في موازيين حسناتك ، كلام قيم فعلاً✨💛
ردحذفاحبك في الله خولة
ردحذفتخفف تصل! كلمات على الجرح
ردحذفجميل جدا
ردحذفسلمتي خولة 💗🍃
كتب الله أجرك،، جداً المقال عميق :)
ردحذف